فصل: سنة ست وثمانين وخمس مائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: العبر في خبر من غبر (نسخة منقحة)



.سنة اثنتين وثمانين وخمس مائة:

قال العماد الكاتب: أجمع المنجمون في هذا العام في جميع البلاد على خراب العالم في شعبان عند اجتماع الكواكب الستة في الميزان بطوفان الريح وخوفوا بذلك ملوك الأعاجم والروم.
فشرعوا في حفر مغارات ونقلوا إليها الماء والأزواد وتهيأوا.
فلما كانت الليلة التي عينها المنجمون لمثل ريح عاد ونحن جلوس عند السلطان والشموع توقد فلا تتحرك ولم نر ليلة مثل ركودها.
وقال محمد بن القادسي: فرش الرماد في أسواق بغداد وعلقت المسوح يوم عاشوراء وناح أهل الكرخ وتعدى الأمر إلى سب الصحابة.
وكانوا يصيحون: ما بقي كتمان.
وكان ذلك منسوبًا إلى مجد الدين ابن الصاحب أستاذ الدار.
وقال غيره: تمت فتنة ببغداد قتل فيها خلق من الرافضة والسنة.
وفيها توفي العلامة عبد الله بن بري أبو محمد المقدسي ثم المصري النحوي صاحب التصانيف وله ثلاث وثمانون سنة.
روى عن أبي صادق المديني وطائفة وانتهى إليه علم العربية في زمانه.
وقصد من البلاد لتحقيقه وتبحره ومع ذلك فله حكايات في التغفل وسذاجة الطبع.
كان يلبس الثياب الفاخرة ويأخذ في كمه العنب مع الحطب والبيض فيقطر على رجله ماء العنب فيرفع رأسه ويقول: العجب أنها تمطر مع الصحو.
وكان يتحدث ملحونًا ويتبرم بمن يخاطبه بإعراب.
وهو شيخ الجزولي.

.سنة ثلاث وثمانون وخمس مائة:

فيها افتتح صلاح الدين بالشام فتحًا مبينًا ورزق رزقًا متينًا وهزم الفرنج وأسر ملوكهم وكانوا أربعين ألفًا.
ونازل القدس وأخذه ثم عكا فأخذها ثم جال وافتتح عدة حصون ودخل على المسلمين سرور لا يعلمه إلا الله.
وفيها قتل ابن الصاحب ولله الحمد ببغداد فذلت الرافضة.
وفيها قويت نفس السلطان طغريل بن أرسلان بن طغريل بن محمد بن ملكشاه السلجوقي وامتدت يده وحكم بأذربيجان بعد موت أبي بكر البهلوان بن إلذكر.
فأرسل إلى بغداد يأمر بأن يعمر له دار السلطان وأن يخطبوا له.
فأمر الناصر بالدار فهدمت وأخرج رسوله بلا جواب.
وفيها توفي عبد الجبار بن يوسف البغدادي شيخ الفتوة وحامل لوائها.
وكان قد علا شأنه بكون الخليفة الناصر تفتى إليه.
توفي حاجًا بمكة.
وعبد المغيث بن زهير أبو العز الحربي محدث بغداد وصالحها وأحد من عني بالأثر والسنة.
سمع ابن الحصين وطبقته وتوفي في المحرم عن ثلاث وثمانين سنة.
وكان ثقة سنيًا مفتيًا صاحب طريقة حميدة.
تبادر وصنف جزءًا في فضايل يزيد أتى فيه بالموضوعات.
وابن الدامغاني قاضي القضاة أبو الحسن علي بن أحمد ابن قاضي القضاة علي ابن قاضي القضاة أبي عبد الله محمد بن علي الحنفي وله سبعون سنة.
وكان ساكنًا وقورًا محتشمًا.
حدث عن ابن الحصين وطائفة.
وولي القضاء بعد موت قاضي القضاة أبي القاسم الزينبي ثم عزل عند موت المقتفي فبقي معزولًا إلى سنة سبعين ثم ولي إلى أن مات.
وابن المقدم الأمير الكبير شمس الدين محمد بن عبد الملك.
كان من أعيان أمراء الدولتين.
وهو الذي سلم سنجار إلى نور الدين ثم تملك بعلبك.
وعصى على صلاح الدين مدة فحاصره ثم صالحه.
وناب له بدمشق.
وكان بطلًا شجاعًا محتشمًا عاقلًا.
شهد في هذا العام الفتوحات.
وحج فلما حل بعرفات رفع علم السلطان صلاح الدين وضرب الكوسات.
فأنكر عليه أمير ركب العراق طاشتكين فلم يلتفت إليه وركب في طلبه وركب طاشكتين.
فالتقوا وقتل جماعة من الفريقين وأصاب ابن المقدم سهم في عينه فخر صريعًا.
وأخذ طاشكتين ابن المقدم فمات من الغد بمنى.
ومخلوف بن علي بن جارة أبو القاسم المغربي ثم الاسكندراني المالكي.
أحد الأئمة الكبار.
تفقه به أهل الثغر زمانًا.
وأبو السعادات القزاز نصر الله بن عبد الرحمن بن محمد بن زريق الشيباني الحريمي مسند بغداد.
سمع جده أبا غالب القزاز وأبا القاسم الربعي وأبا الحسين بن الطيوري وطائفة.
توفي وأبو الفتح بن المني ناصح الإسلام نصر بن فتيان بن مطر النهراوي ثم الحنبلي فقيه العراق وشيخ الحنابلة.
روى عن أبي الحسن بن الزاغوني وطبقته.
وتفقه على أبي يكر الدينوري.
وكان ورعًا زاهدًا متعبدًا على منهاج السلف.
تخرج به أئمة.
وتوفي في رمضان عن اثنتين وثمانين سنة ولم يخلف مثله.
ومجد الدين ابن الصاحب هبة الله بن علي.
ولي أستاذ دارية المستضيء.
ولما ولي الناصر رفع منزلته وبسط يده.
وكان رافضيًا سبابًا.
تمكن وأحيا شعار الإمامية وعمل كل قبيح إلى أن طلب إلى الديوان فقتل وأخذت حواصله.
فمن ذلك ألف ألف دينار.
وعاش إحدى وأربعين سنة.

.سنة أربع وثمانين وخمس مائة:

دخلت وصلاح الدين يصول ويجول بجنوده على الفرنج حتى دوخ بلادهم وبث سراياه.
وافتتح أخوه الملك العادل الكرك بالأمان في رمضان سلموها لفرط القحط.
وفيها سار عسكر بغداد وعليهم الوزير جلال الدين بن يونس.
فالتقوا السلطان طغريل بن رسلان السلجوقي فهزمهم ورجعوا بسوء الحال وقبض طغريل على الوزير وكان المصاف وفيها توفي أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الأمير الكبير مؤيد الدولة أبو المظفر الكناني الشيزري أحد الأبطال المشهورين والشعراء المبرزين.
وله عدة تصانيف في الأدب والأخبار والنظم والنثر.
وفيه تشيع.
عمر ستًا وتسعين سنة.
وعبد الرحمان بن محمد بن حبيش القاضي أبو القاسم الأنصاري المريي نزيل مرسية.
عاش ثمانين سنة.
قرأ القراءات على جماعة.
ورحل بعد ذلك فسمع بقرطبة من يونس بن محمد بن مغيث والكبار.
وكان من أئمة الحديث والقراءات والنحو واللغة.
ولي خطابة مرسية وقضاءها مدة واشتهر ذكره وبعد وصيته.
وكانت الرحلة إليه في زمانه.
وقد صنف كتاب المغازي في عدة مجلدات.
وعمر بن بكر بن محمد بن علي القاضي عماد الدين ابن الإمام شمس الأئمة الجابري الزرنجري شيخ الحنفية في زمانه بما وراء النهر ومن انتهت إليه رئاسة الفقه.
توفي في شوال عن نحو ستين سنة.
والتاج المسعودي محمد بن عبد الرحمن البنجديهي الخراساني الصوفي الرحال الأديب عن اثنتين وثمانين سنة.
سمع من أبي الوقت وطبقته.
وأملى بمصر مجالس وعني بهذا الشأن وكتب وسعى وجمع فأوعى وصنف شرحًا طويلًا للمقامات.
قال يوسف بن خليل الحافظ: لم يكن في نقله بثقة.
وقال ابن النجار: كان من الفضلاء في كل فن في الفقه والحديث والأدب.
وكان من أظرف المشايخ وأجملهم.
وأبو الفتح بن التعاويذي الشاعر الذي سار نظمه في الآفاق وتقدم على شعراء العراق.
توفي في شوال عن خمس وثمانين سنة.
وابن صدقة الحراني أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن الحسن بن صدقة التاجر السفار.
راوي صحيح مسلم عن الفراوي.
شيخ صالح صدوق كثير الأسفار.
سمع في كهولته الكتاب المذكور.
وعمر سبعًا وتسعين سنة.
توفي في ربيع الأول بدمشق له أوقاف وبر.
وأبو بكر الحازمي الحافظ محمد بن موسى الهمذاني سمع من أبي الوقت ومن أبي زرعة ومعمر بن الفاخر.
ورحل سنة نيف وسبعين إلى العراق وإصبهان والجزيرة والنواحي.
وصنف التصاتيف.
وكان إمامًا ذكيًا ثاقب الذهن فقيهًا بارعًا ومحدثًا ماهرًا بصيرًا بالرجال والعلل متبحرًا في علم السنن ذا زهد وتعبد وتأله وانقباض عن الناس.
توفي في جمادى الأولى شابًا عن خمس وثلاثين سنة.
ويحيى بن محمود بن سعد الثقفي أبو الفرج الإصبهاني الصوفي.
حضر في أول عمره على الحداد وجماعة وسمع من جعفر بن عبد الواحد الثقفي وفاطمة الجوزدانية.
وجده لأمه أبي القاسم صاحب الترغيب والترهيب وروى الكثير بإصبهان والموصل وحلب ودمشق.
توفي بنواحي همذان وله سبعون سنة.

.سنة خمس وثمانين وخمس مائة:

في أول شعبان التقى صلاح الدين الفرنج.
وفي وسطه التقى الفرنج أيضًا فانهزم المسلمون واستشهد جماعة.
ثم ثبت السلطان والأبطال وكروا على الملاعين ووضعوا فيهم السيف.
وجافت الأرض من كثرة القتلى.
ونازلت الفرنج عكا فساق صلاح الدين وضايقهم وبقوا محاصرين محصورين.
والتقاهم المسلمون مرات وطال الأمر وعظم الخطب وبقي الحصار والحالة هذه عشرين شهرًا أو أكثر وجاء الفرنج في البحر والبر وملأوا السهل والوعر حتى قيل إن عدة من جاء منهم أو نجدهم بلغت ستة مائة ألف.
وفيها توفي أبو العباس الترك أحمد بن أبي منصور أحمد بن محمد بن ينال الإصبهاني شيخ صوفية بلده ومسندها.
سمع أبا مطيع وعبد الرحمن الدوني وببغداد أبا علي بن نبهان.
توفي في شعبان في عشر منه.
وابن الموازيني أبو الحسين أحمد بن حمزة بن أبي الحسن علي بن الحسن السلمي.
سمع من جده ورحل إلى بغداد في الكهولة.
فسمع من أبي بكر بن الزاغوني وطبقته وكان صالحًا خيرًا محدثًا فهمًا.
توفي في المحرم وهو في عشر التسعين.
وابن أبي عصرون قاضي القضاة فقيه الشام شرف الدين أبو سعد عبد الله بن محمد بن هبة الله بن المظفر بن علي بن أبي عصرون التميمي الحديثي ثم الموصلي أحد الأعلام.
تفقه بالموصل وسمع بها من أبي الحسن ابنه طوق ثم رحل إلى بغداد فقرأ القرآن على عبد الله البارع وسبط الخياط.
وسمع من ابن الحصين وطائفة.
ودرس النحو الأصلين ودخل واسطًا فتفقه بها ورجع إلى الموصل بعلوم جمة.
فدرس بها وأفتى.
ثم سكن سنجار مدة ثم قدم حلب ودرس بها.
وأقبل عليه نور الدين فقدم معه عندما افتتح دمشق.
ودرس بالغزالية.
ثم رد وولي قضاء سنجار وحران مدة.
ثم قدم دمشق وولي القضاء لصلاح الدين سنة ثلاث وسبعين.
وله مصنفات كثيرة.
أضر في آخر عمره وتوفي في رمضان وله ثلاث وتسعون سنة.
وأبو طالب الكرخي صاحب ابن الخل.
واسمه المبارك بن المبارك ابن المبارك شيخ الشافعية في وقته ببغداد وصاحب الخط المنسوب ومؤدب أولاد الناصر لدين الله.
درس بالنظامية بعد أبي الخير القزويني.
وتفقه به جماعة.
وحدث عن ابن الحصين.
وكان رب علم وعمل ونسك وورع كان أبوه مغنيًا فتشاغل بضرب العود حتى شهدوا له أنه في طبقة معبد ثم أنف من ذلك فجود الكتابة حتى زاد بعضهم وقال: هو أكتب من ابن البواب ثم اشتغل بالفقه فبلغ في العلم الغاية.

.سنة ست وثمانين وخمس مائة:

دخلت والفرنج محدقون بعكا والسلطان في مقاتلتهم والحرب سجال فتارة يظهر هؤلاء وتارة يظهر هؤلاء.
وقدمت عساكر الأطراف مددًا لصلاح الدين.
وكذلك الفرنج أقبلت في البحر من الجزائر البعيدة وفرغت السنة والناس كذلك.
وفيها توفي أبو المواهب الحسن بن هبة الله بن محفوظ الحافظ الكبير ابن صصري التغلبي الدمشقي.
سمع من جده ونصر الله المصيصي وطبقتهما.
ولزم الحافظ ابن عساكر وتخرج به.
ثم رحل وسمع بالعراق من ابن البطي وطبقته وبهمذان من أبي العلاء الحافظ وعدة وبإصبهان من ابن ماشاذ وطبقته وبالحيرة والنواحي.
وبرع في هذا الشأن وجمع وصنف مع الثقة والجلالة والكرم والرئاسة.
عاش تسع وأربعن سنة.
وأبو عبد الله بن زرقون محمد بن سعيد بن أحمد الإشبيلي المالكي المقرئ المحدث.
ولد سنة اثنتين وخمس مائة فأجاز له فيها أبو عبد الله أحمد بن محمد الخولاني وسمع بمراكش من موسى بن أبي تليد وتفرد بالرواية عن جماعة.
ولي قضاء سبتة.
وكان فقيهًا مبرزًا عالمًا سريًا بصيرًا بالحديث.
توفي في رجب.
وأبو بكر بن الجد محمد بن عبد الله بن يحيى الفهري الإشبيلي الحافظ النحوي.
بحث كتاب سيبويه على أبي الحسن بن الأخضر وسمع صحيح مسلم من أبي القاسم الهوزني ولقي بقرطبة أبا محمد بن عتاب وطائفة وبرع في سنة إحدى وعشرين وخمس مائة وعظم جاهه وحرمته.
توفي في شوال وله تسعون سنة.
ومحيي الدين قاضي القضاة أبو حامد محمد ابن قاضي القضاة كمال الدين أبي الفضل محمد بن عبد الله بن الشهرزوري الشافعي.
تفقه ببغداد على أبي منصور بن الرزاز وناب بدمشق عن أبيه.
ثم ولي قضاء حلب ثم الموصل وتمكن من صاحبها عز الدين مسعود إلى الغاية.
قال ابن خلكان: قيل إنه أنعم في ترسله مرة إلى بغداد بعشرة آلاف دينار على الفقهاء والأدباء والشعراء والمحاويج.
ويحكى عنه رئاسة ضخمة ومكارم كثيرة.
توفي في جمادى الأولى وله اثنتان وستون سنة.
ومحمد بن المبارك بن الحسين أبو عبد الله بن أبي السعود الحلاوي الحربي المقرئ.
روى بالإجازة عن أبي الحسين ابن الطيوري وجماعة ثم ظهر سماعه بعد موته من جعفر السراج وغيره.
وعاش ثلاثًا وتسعين سنة.
ومسعود بن علي بن النادر أبو الفضل البغدادي قرأ على أبي بكر المزرفي وسبط الخياط.
وكتب عن قاضي المرستان فمن بعده فأكثر.
ونسخ مائة وإحدى وعشرين ختمة.
وعاش ستين سنة وتوفي في المحرم.
وابن الكيال أبو الفتح نصر الله بن علي الفقيه الحنفي.
مقرىء واسط.
أخذ العشرة عن علي بن علي بن شيران وأبي عبد الله البارع وأخذ العربية عن ابن السجزي وابن الجواليقي وتفقه ودرس وناظر وولي قضاء واسط.
توفي في جمادى الآخرة عن أربع وثمانين سنة وحدث عن ابن الحصين.
وزين الدين يوسف بن زين الدين على كوجك صاحب إربل وابن صاحبها وأخو صاحبها مظفر الدين مات مرابطًا على عكا.